جائزة د. مهاتير محمد للإبداع الفكري 2020
في دورتها الثالثة لأجود بحث في موضوع:
الحالة الوبائية الدولية “كوفيد 19 ” وسؤال الأخلاق من أجل ميثاق إنساني جديد
برعاية إعلامية لمركز ضياء للمؤتمرات والدراسات.
لقد أذهلت الحالة الوبائية العالمية COVID-19 التي اجتاحت العالم بقوة وسرعة فائقتين، المنتظمَ الدولي ومختلف البنيات الوطنية والإقليمية والدولية؛ كما أثارت نقاشات فكرية و استشرافات مستقبلية عديدة، حتى صار من ثوابت الخطاب الرائج في هذه المرحلة شعار: “زمن كورونا، وما بعد كرونا”.
ولئن كانت بعض التنبؤات والرؤى الاستشرافية قد انخرطت في مغامرات ترسم معالم جديدة لعالم ما بعد كورونا؛ فقدمت سيناريوهات، كان لهول الصدمة التي أفرزتها اللحظة، عظيمُ الأثر في تبنيها. لكن النظر العلمي الحصيف يجد أن اللحظة قد فتحت آفاقا واسعة لفهم وضع العالم الذي كنا نعيشه على المستوى الأخلاقي، وأتاحت مختبرا لتمحيص كثير من الأوهام والدعاوى التي كانت مؤطرة للواقع الكوني على المستوى الفلسفي، وعلى مستوى المرتكزات التي يتأسس النظام الدولي الحالي ومؤسساته، والكيانات الإقليمية وجدواها، والأنظمة الاجتماعية ومدى إنسانيتها ….
ولهذا فإن اللحظة الراهنة يمكن أن تؤسس لوعي جديد بأنفسنا والعالم الذي يحيط بنا، مما يمكن أن يُسْهِمَ في التأسيس لواقع جديد، وإمكاناتٍ أنفعَ للبشرية. ولذلك يسعى منتدى كوالالمبور للفكر والحضارة أن ينخرط في المساهمة في بناء ذلك الوعي من خلال أبحاث علمية أكاديمية تجمع بين تعدد المقاربات العلمية وتكاملها، من خلال عدة مشاريع منها: جائزته الدولية في دورتها الثالثة، والذي سيكون موضوعها:
الحالة الوبائية العالمية وسؤال الأخلاق من أجل تعاقد وميثاق إنساني جديد
أما المحاور التي يدعو الباحثين أن ينخرطوا فيها، من خلال مقاربات معرفية متنوعة فهي:
لقد ادعت الفلسفة الغربية التي هيمنت في المرحلة السابقة أنها قائمة على مشروع الأنسنة، وجعل الإنسان مركز الوجود، فدعت إلى فلسفة وضعية فصلت الإنسان عن معنى الوجود وإحداث القطيعة مع الدين والغيب، فإذا بأصوات الرجوع إلى الدين تتعالى من قبل أفراد ودول في خضم هذه الجائحة. فهل كشفت الوضعية الوبائية حاجة الإنسان للرجوع إلى الدين؟
كما تسائل الحالةُ الوبائية، وما خلفته من آثار نفسية على عموم المواطنين، المنظومات التربويةَ وبرامجَ سائر مؤسسات التنشئة الاجتماعية عن مدى قدرتها على تحقيق الأمن النفسي والروحي للمواطنين لا سيما في اللحظات العصيبة التي تمر منها الأمم والشعوب.
وإذا كانت العقود السابقة قد هيمن عليها خطاب حقوقي رفعت شعارات عدة شكلت مرتكزات في الخطاب الأخلاقي الكوني، منه رعاية حقوق الإنسان، وضمان حقوق ذوي الاحتياجات الخاصة، ومحاربة كل أشكال التمييز المؤسسة على العرق واللون والجنس والعمر؛ فهل ظلت كل تلك الشعارات حاضرة في محنة الوباء أم أنها ضَمُرَت؟
إن المرحلة الراهنة قد أضحت مختبرا لتمحيص لتلك الرؤى الفلسفية ومدى نجاعتها في تأطير حياة الإنسان وإدراك حقيقة وجوده، ومدى مصداقيتها في رعاية حقوق الإنسان وفق المنظور الذي كانت تتبناه. وهي قضايا تستدعي فلسفة الأخلاق لتسائلَ مشروع الأنسنة، وتستحضر المقاربات السوسيولوجية من أجل دراسات اجتماعية لتحليل الممارسات الفردية والاجتماعية التي أطرت المرحلة.
لقد تعالت أصوات عقلاء الإنسانية في العقود الأخيرة بضرورة إعادة تشكيل المنتظم الدولي على أسس أخلاقية تؤسس للحق والعدالة بعدما فشل في امتحانات كبرى، تجلّت في مهادنة الكيان الصهيوني الغاصب، والسكوت على إرهاب الدول وتهديدها لأمن واستقرار كثير من الدول، لا سيما في العالم العربي والإسلامي، والتواطؤ السكوتي عن اغتيال الديمقراطية. وقد عزّزت الأزمة الراهنة كشف تآكل هذا المنتظم، ومن ذلك إخفاق منظمة الصحة العالمية في أول اختبار لها، فبدت أنها لم تكن في مستوى التحدي، باعتبار أن وظيفتها تتجلى أساسا في مواجهة الأخطار الدولية التي تتجاوز إمكانات ومؤهلات الدول.
كما أن الكيانات الاتحادية والكونفدرالية الدولية (الاتحاد الأوروبي – الاتحاد الإفريقي – جامعة الدول العربية – منظمة التعاون الإسلامي…) قد توارت عن الفعل، وتخلت عن أدوارها، وقد بدا أن بنيتها لم تنجح في تحقيق التضامن والتعاون المطلوب في حفظ مصالح الدول المنضوية تحتها في الوقت المناسب وبالقدر المطلوب. مما دعا كثيرا من الدول إلى إعادة النظر في جدواها، إذا كانت تتنكر لأعضائها في لحظات الشدة.
كما أن دعوات القومية المتطرفة قد لاقت رواجا وأثرا في تصرفات الدول مع بعضها البعض، حتى وصفت بعض السلوكيات بالقرصنة الدولية.
فإلى أي حد يمكن أن تؤثر هذه الجائحة وآثارها في المنتظم الدولي والإقليمي؟
وهل صدى هذه المرحلة يمكن أن يسهم في تشكيل وعي جديد يؤسس لبنات في تعاقد وميثاق عالمي جديد؟
لقد أظهرت النيوليبرالية، التي هيمنت على العالم، أقسى أوجه وحشيتها في هذه اللحظة. وبدى زيف دعوى خدمة الاقتصاد للإنسان ليتبدى أنه لم يكن سوى مستهلك مستعبد؛ ففي الوقت الذي تعرف السوق فائضا في إنتاج الهواتف، وبنيات الترفيه والاستهلاك، نجد حاجة ملحة في المستشفيات والأجهزة الطبية؛ مما يفتح نقاشا ضروريا أمام خبراء فلسفة الاقتصاد ومدى الحاجة لفلسفة اقتصادية جديدة تقوم على الكفاية الاقتصادية، وخدمة العلم للإنسان ومصالحه عوض الارتهان للرأسمال ومنافعه.
إن الأزمة الحالية قد أفرزت اختلالات بنيوية في الموازنات التي تعتمدها الدول في سياساتها العمومية، فما هي المراجعات المطلوبة فيما يخص الأولويات المحققة للتنمية المستدامة؟
لكن ألا ينبغي الحذر من إعادة تشكل جديد للنيولبرالية الجديدة بعد جائحة كورونا مستثمرة العودة القوية لتحكم الدولة القومية، وإنشاء سوق كونية افتراضية مستغلة انفتاح الشعوب القوي على فضاء الأنترنت؟
لقد استنفرت الأزمة الوبائية الدولية إمكانات الدول الاقتصادية والاجتماعية، كما ساءلت بنياتها الصحية ومدى تأهبها لمواجهة الأوبئة والمخاطر لمحتملة.
وإذا كانت الحجر الصحي إجراء نهجته معظم البلدان التي أصابها الوباء، فإن التفاعل مع آثاره قد تباين من بلد لآخر. مما يفرض دراسة للوضع الاجتماعي والاقتصادي والصحي والحقوقي في ظل أزمة كورونا.
فما هي مواطن التعثر التي تعرفها الأوطان الإسلامية، ومسارات التنمية الحقيقية التي ينبغي أن تتحدى عقباتها؟
ألم يكرّس واقع الجائحة ضُعف دولة الحق والقانون، وشجع على تقوية الحكم والاستبداد، والتنكّب لكثير من الحقوق الأساسية والاجتماعية والاقتصادية للمواطنين بدعوى الحجر الصحي؟
كيف تصدت شعوب البلدان الإسلامية التي تعيش ظروفا استثنائية نتيجة الانقلاب على الشرعية أو التدخل الأجنبي أو الحروب الأهلية وغير ذلك من آلام الانتقال السياسي، هذا الظرف الاستثنائي بعدما فكك الاستبداد نظامها الصحي وشرد ونكّل بكثير من كفاءاتها وخبراتها؟
إن الأمة الإسلامية بما تكتنزه من ثراء روحي، وثروات مادية وعلمية وبشرية، كانت حاضرة من خلال أفرادها وبعض مؤسساتها العلمية والعلمائية في مواجهة هذه الأزمة تأطيرا للإنسان، وبحثا في المختبرات عن حل ولقاح له ضد هذا الوباء. لكن هل كانت المؤسسات الرسمية في مستوى تحديات اللحظة؟ وما هي أهم دروس هذا المنعطف؟ وإمكانات الفعل المستقبلي التي يمكن أن يجعل العالم الإسلامي شاهدا بالقسط، مؤديا وظيفته تجاه أفراده وتجاه البشرية؟
وما هي الوظائف المركزية التي ينبغي أن تتصدى لها نخب العالم الإسلامي وقواه المجتمعية؟
إن عالم ما بعد كورونا، سيشهد تغيرات محتملة، فما هي أهم السيناريوهات المحتملة التي يمكن أن تنتج عن هذا المنعطف؟ وما موقع الأمة الإسلامية من هذا الواقع الجديد الذي سيتشكل؟ وما مصير قضايا الأمة المصيرية فيه، وعلى رأسها القضية الفلسطينية، والانتقال الديمقراطي …؟