قمة كولالمبور: بين القدرة على التغيير والتحديات

حجم الخط

للباحث: زهير عطوف

استضافت ماليزيا قمة كولالمبور المصغرة الاولى والتي ضمت قادة بعض الدول الاسلامية: تركيا وماليزيا وقطر على وجه التحديد، وتعتبر قمة كولالمبور تراكما ايجابيا لمسار منتدى كوالالمبور الفكري الذي تأسس عام 2014، الذي ضم قادة العالم الإسلامي من المثقفين والباحثين والمفكرين والخبراء، لبناء وتشكيل شبكة علاقات فعالة ومتعددة.

وفي هذا الاطار تعتبر قمة كولالمبور محاولة لتقوية العلاقات بين بلدان العالم الاسلامي من أجل أن تساعدهم على تجنب الاضطهاد في مجموعة من بقع العالم، وأيضا لإيجاد سبيل لمعالجة أوجه القصور في الامة، وتسليط الضوء على مشاكل العالم الإسلامي واقتراح الحلول لها، والمساهمة في تحسين العلاقات بين المسلمين وبين الدول الإسلامية فيما بينها.

وفي هذا السياق كشفت قمة كوالالمبور عن حقيقتين متعارضتين، أولا فقد أظهرت الإمكانات والقدرات الهائلة للعالم الإسلامي وعن حلم الشعوب في تحقيق الوحدة، وثانيا كشفت عن حالة العجز والانقسام الذي تعيشه الأمة، وعن مسؤولية بعض الأنظمة السياسية عن العديد من جوانب الفشل والإخفاق التي يعاني منها [1].

ويجب أن نضع في الحسبان أن فكرة القمة والأفكار التي وردت فيها لا تختلف بل تتطابق في كثير من الأوجه مع تجارب بارزة سبقتها ربّما لم يُكتب لها النّجاح المتوقّع. لهذا سنحاول في هذه الدراسة التطرق الى فكرة وسياق انعقاد قمة كولالمبور، وما رافق ذلك من ضغط بعض الدول الخليجية من أجل افشال هذه القمة، كما سنتساءل عن إمكانية أن تشكل هذه القمة نواة جديدة نحو التغيير، ونختم دراستنا عن مآلات القمة وحدود تأثيرها.

أولا: قمة كولالمبور : الفكرة، السياق والتحديات:

  1. فكرة وسياق انعقاد قمة كولالمبور :
  • قمة كولالمبور: الفكرة والاهداف.

طرح مجموعة من رجال الفكر والسياسيين بعد سقوط الخلافة العثمانية رؤيتهم لتجمع اسلامي، كوحدة إسلامية أو رابطة تجمع المسلمين وتبرز تميزهم، وبين هؤلاء برزت بتميز فكرة “كومنويلث إسلامي”، هذه الفكرة طرحها المفكر الجزائري مالك بن نبي عام 1958، وكان الهدف منها تشكيل كتلة دولية بين الدول الاسلامية تعمل على تطوير العلاقات الثقافية والاجتماعية، ثم التّعاون الاقتصادي والسياسي[2].  على أساس أن هذا التجمع ضرورة تاريخية تدعو الشعوب الاسلامية الى العودة الى حلبة التاريخ[3].

كما برزت فكرة البروفيسور نجم الدين أربكان، الذي كان يرى أن العمق السياسي والاستراتيجي لتركيا مرتبط بدول العالم الاسلامي، لهذا أنشئ “اتحاد الدول الثمانية”، بمشاركة تركيا وباكستان وإيران وماليزيا وبنغلاديش ومصر ونيجيريا وإندونسيا[4]. كان أربكان يحلم بأن تكون هناك اتفاقيات تجارة حرّة بين هذه البلدان، وعملةً موحّدة، آملاً أن يكون نجاح هذه التجربة دافعاً لبقية الدول الإسلامية للانضمام لهذه المنظّمة الإسلاميّة.

ثم جاءت فكرة قمّة كولالمبور كنتيجة لنقاشٍ جمع رئيس الوزراء الماليزي مهاتير محمد ونظيره الباكستاني عمران خان، والرئيس التركي طيب أردوغان، في سبتمبر/أيلول 2019، على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة[5].

وجاءت قمة كولالمبور 2019 الخامسة[6]، -تحت عنوان “دور التنمية في الوصول إلى السيادة الوطنية”- بعد خمس قمم سابقة، وتهدف الى تسليط الضوء على مشاكل العالم الإسلامي واقتراح الحلول لها. ومن أبرز التحديات طرد المسلمين من أوطانهم، وتصنيف الإسلام كدين إرهاب[7]. كما إعتمدت القمة رؤية ترتكز على 7 ركائز أساسية، وهي: التنمية والسيادة، التجارة والاستثمار، التكنولوجيا وإدارة الإنترنت، الثقافة والهوية، السلام والأمن والدفاع، العدالة والحرية، والنزاهة والحكم الرشيد.

وتعتبر القمة محاولة على الأقل من المسلمين على أمل أن تساعدهم في تجنب الإذلال والاضطهاد حول العالم هذه الأيام، و إقامة علاقات فعالة وتوقيع مذكرات تفاهم ثنائية ومتعددة الأطراف في مجالات مختلفة مثل الدفاع والأمن الغذائي والصناعة والتكنولوجيا والابتكار والتعليم[8]. وايضا لإيجاد سبيل لمعالجة أوجه قصور الامة وعلى رأسها اعتمادهم على غير المسلمين في حماية أنفسهم من أعداء الإسلام[9].

هذه أهم الأهداف التي أعلنت عنها القمة وهي أهداف كلها تدعو لخير الأمة ونهضتها ووقف الحروب بين أبنائها وحفظ دماء المسلمين وأرواحهم والعمل على نهضتهم وعزتهم واستقلالهم، وهو أمل يتمناه كل المسلمين في أنحاء العالم[10]. والسعي إلى تحقيق استعادة أمجاد الحضارة الإسلامية، والتباحث للوصول إلى حلول قابلة للتنفيذ لمشاكل العالم الإسلامي، والمساهمة في تحسين العلاقات بين المسلمين وبين الدول الإسلامية فيما بينها، وتشكيل شبكة تواصل فعالة بين القادة والعلماء والمفكرين في العالم الإسلامي[11].

  • سياق انعقاد قمة كولالمبور:

بدأت الارهاصات الاولية لإنعقاد قمة كولالمبور، من خلال اقرار كل من باكستان وتركيا وماليزيا في سبتمبر 2019، تأسيس قناة تلفزيونية ناطقة باللغة الإنجليزية لمكافحة ظاهرة الإسلاموفوبيا[12]، جاء ذلك على هامش اجتماعات الدورة الـ74 للجعمية العمومية للأمم المتحدة. عقب اجتماع ثلاثي جمع الرئيس التركي رجب أردوغان ورئيس الوزراء الماليزي مهاتير محمد، ورئيس الوزراء الباكستاني عمران خان[13].

كما يتمثل سياق انعقاد هذه القمة في قيام رئيس الوزراء الماليزي محمد مهاتير ، بزيارة تاريخية إلى تركيا نفذها في يوليو 2019، وأُعلن خلالها عن الهدف من الزيارة هو زيادة التبادل التجاري بين البلدين ليصل إلى 4 مليارات دولار، إضافة إلى توقيع اتفاقيات تعاون مشترك بينهما خاصة في مجال الصناعات الدفاعية، إضافة إلى ذلك قام بزيارة إلى قطر تخللها توقيع عدد من الاتفاقيات على رأسها مذكرة تفاهم لتأسيس اللجنة الإستراتيجية العليا بين قطر وماليزيا[14].

أمام هذا التراكم الايجابي دعى  رئيس الوزراء الماليزي مهاتير محمد، إلى عقد قمة إسلامية في 18 ديسمبر/كانون الأول 2019، ودعوة خمس دول هي: ماليزيا وقطر وتركيا وباكستان وإندونيسيا. على أساس أن هذه الدول الخمس ستشكل نواة لبداية تعاون إسلامي أوسع يشمل مجالات عدة تواجه العالم الإسلامي[15]. لكن ضغوط بعض الدول العربية على باكستان خاصة جعلت القمة المؤسسة تتقلص الى ثلاث دول وهي ماليزيا وقطر وتركيا.

كما أن انعقاد القمة يأتي في سياق الحالة المزرية التي يعيشها المسلمون في شتى أنحاء العالم ومعاناتهم من مجموعة كبيرة من التحديات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية والثقافية، وغيرها من المشاكل الضخمة، مع عدم قدرة الدول الإسلامية والمنظمات التي شكلتها على مواجهة تلك التحديات بشكل جدي، مما إستوجب التفكير في أليات ومكانيزمات جديدة لمواجهة هذه المشاكل[16].

وتوالت التساؤلات حول ما إذا كانت القمة بمثابة بديل لمنظمة المؤتمر الإسلامي – حيث أصبحت هذه الاخيرة جسدا بدون روح-، خاصة في ظل أهداف القمة التي تتكون من تكتل دول إسلامية، رغم تأكيد كولالمبور أنها لن تشكل بديلا بل ستخلق تكتلا جديدا مكملا مفتوحا لكل الدول الاسلامية[17].

ويأتي انعقاد هذه القمة بالتزامن مع الاجتماع السنوي لمنتدى كوالالمبور الفكري[18]، والذي أسسه السيد مهاتير محمد في عام 2014، قبل توليه رئاسة الحكومة مجدداً، والذي يمكن اعتباره النواة والفكرة الأساسية التي مهدت للوصول للتوافق حول عقد قمة في العام [19]2019.

والجدير بالذكر أن منتدى كولالمبور فيه مساريين: الاول المسار القديم الفكري الذي هو منتدى كولالمبور، وهو بمتابة مركز الفكر “Think Tank”، أي مجموعة تفكير يضم الكثير من المفكريين والباحثين، حيث أنه ومنذ 5 سنوات يتم تنظيم مؤتمر سنوي في إطار منتدى كولالمبور. والمسار الجديد حكومي رسمي ينظم لأول مرة، الذي هو عبارة عن قمة كولالمبور الاقتصادية الاسلامية[20]. التي هي امتداد طبيعي وتطوير لجهد فكري استمر على مدار نحو خمس سنوات، حيث أن فوز محمد مهاتير بمقعد رئاسة الوزراء قد أعطى لهذه الفكرة زخماً أوسع، بنقل المنتدى إلى الفضاءالرسمي[21].

وقد شملت الدعوة إضافة الى الدول الخمس، عدداً كبيراً آخر من الدول الإسلامية ولكن بمستويات تمثيل أقل، إلا أن إيران اختارت أن يمثلها رئيسها حسن روحاني، رغم أنها لن تكون من الدول المؤسسة للتجمع المخطط له.[22]

  1. قمة كوالالمبور والضغط الخليجي:

أثارت فكرة اجتماع الدول الإسلامية الكُبرى بقمة كوالالمبور في ديسمبر/كانون الأول 2019، قلق بعض الدول الخليجية وعلى رأسها السعودية. حيث أنه وما إن أعلن عن عقد القمة كولالمبور الاقتصادية، التي أخدت اهتماما واسعا لدي الشعوب الأسلامية، حتى بدأ هجوم كبير من طرف هذه الدول، التي شككت في الهدف من عقد القمة.

هجوم المملكة السعودية[23] على القمة الإسلامية في ماليزيا جاء تحسباً أن يكون هذا الاجتماع على حساب قمة التعاون الإسلامي الذي تترأسها المملكة، أي أن تُشكل بديلا عن منظمة التعاون الإسلامي وهو ما سيسحب البساط من تحت أقدامها، في محاولة تزعمها للعالم الاسلامي[24].

وقد شنت السعودية حملة ضد القمة تمتلث في تسليط الضوء على دور منظمة التعاون الإسلامي في خدمة أهداف الأمة الإسلامية، وعن الدور المحوري للمملكة في دعم المنظمة وجهودها، والتقليل من شأن قمة ماليزيا، وإلقاء الضوء على حجم المساعدات التي قدّمتها السعودية لدول العالم الإسلامي، خاصةً فلسطين[25].

إن عدم رضا عدد من الدول الخليجية كالسعودية والإمارات عن القمة الخارجة عن إطار منظمة التعاون الإسلامي. جعل المملكة العربية السعودية تلعب دورا كبيرا في الضغط على الدول التي لم تحضر المؤتمر، حيث في هذا الصدد هددت السعودية باكستان بسحب ودائع سعودية في باكستان التي تقدر بنحو 5 مليار دولار –أعلنت السعودية في عام 2019 عن استثمارات في باكستان بقيمة 20 مليار دولار-  فضلا عن استبدال أغلب العمالة الباكستانية التي تقدر ب 4 ملايين بأخرى من بنغلاديش[26]. بل تم تهديد عمران خان رئيس وزراء باكستان بشكل مباشر أنه إذا شارك في القمة فإنه سيتعرض لحرب ستطيح به[27]. كما ضغطت دولة الامارت المتحدة على إندونيسيا وهددتها بسحب استثماراتها في اندونيسيا[28] المقدرة بحوالي عشرة مليارات دولار، ومارست ضغوطا أخرى جعلت الرئيس الأندونيسي  يعتذر عن حضور القمة[29].

أمام هذا الوضع بدأت القمة في الانعقاد في ظل أجواء اتسمت بإعتذار باكستان عن الحضور –التي كانت من أهم الدول التي دفعت لعقد القمة-، كما غابت إندونيسيا، وبالتالي غابت القوى ذات الثقل السكاني الأكبر في مجموعة الدول الخمس التي كانت ستتشكل منها القمة.

وكان الغرض الأساسي من هذه الضغوطات -بعد أن فشلت السعودية في إلغاء القمة من خلال الضغط على ماليزيا- هو التقليل من أهمية القمة وما يُمكن أن يصدر عنها من قرارات، في ظل غياب أو تخفيض مستوى مشاركة دول إسلامية ذات دورٍ محوري في قيادة العالم الإسلامي وخدمة قضاياه[30].

ثانيا: قمة كوالالمبور بين التغيير والمآلات.

  1. قمة كوالامبور: هل تشكل نواة جديدة نحو التغيير؟

على الرغم من الضغوطات الخليجية على قمة كولالمبور، ظهر الحضور القوي والتصميم على إنجاح القمة من كل من شارك فيها، سواءا على المستوى الفكري أو الرسمي، حيث كان هناك حضور قوي لقيادات ماليزيا وتركيا وقطر وأهم وزراء هذه الدول، فضلا عن عدد كبير من رجال الأعمال والشركات. كما حضر هذه القمة أكثر من 450 مفكر وباحث من شتى أرجاء العالم الإسلامي.

وكان التركيز في قمة كولالمبور أن يكون لهذه المجموعة دور فاعل ومحوري من خلال البحث عن كيفية النهوض بالامة الاسلامية وتوصيف الداء والبدئ في البحث عن الدواء، لكي لا تعاد تجربة منظمة المؤتمر الاسلامي التي تعقد المؤتمرات و لكن بدون فاعلية.

ويبدو ان هذه القمة فتحت آفاقاً للحوار، وكسرت كثيراً من الحواجز، وزادت من التقارب والتعاون بين البلدان التي حضرت هذه القمة. كما جلبت بُعدا جديدا، وزخما إضافيا للعلاقات بين الدول الإسلامية المشاركة، بحيث أخذت مستوى العلاقات إلى مستوى أفضل وأكثر تنظيماً وفاعلية.

وسعت القمة من خلال التغيرات التي تجري في العالم والخرائط السياسية الجديدة لموازين القوى، إلى إيجاد موطئ قدم للمسلمين في هذا العالم الجديد الذي يتشكَّل بحيث لا يبقى المسلمون مجرد متفرجين. خصوصا أن الشعوب الاسلامية تبحث عن أمل وعن قيادة جادة ومخلصه تعيد للأمة مكانتها وتجمع كلمتها وتضعها على خريطة العالم كقوة فاعلة وليست مشلولة[31].

كما كشفت هذه القمة المصغرة أن بضعة أنظمة ودول متفاهمة، والتي تجد فيما بينها قواعد مشتركة للتعاون والتفاهم وتُنسِّق بشكل اكبر ومستقلة في قرارها، وذات دينامية عالية، تملك فرصة إنجاز ما فشلت في إنجازه عشرات الدول الاسلامية التي جمعتها مظلة منظمة التعاون الإسلامي. لهذا أرادت الدول التي شاركت في القمة، أن تخرج من إطار انعدام الفعالية الذي يعيشه العالم الإسلامي، وأن تعمل على خدمة مصالح الأُمة، بما يوفر لها استقلالاً أكبر في صناعة قرارها بعيداً عن هيمنة القوى الدولية[32].

بالمقابل لا ينبغي المبالغة ورفع سقف التوقعات في حالة قمة كوالالمبور، بدون شك أنها قمة جد مهمة وإنعطافية في تاريخ العلاقات بين الدول الاسلامية المشكلة لها، لكنها في الوقت ذاته ليست حلاً سحرياً لكل المشكلات. لذا يجب علينا أﻻ نتوقع أن تحل هذه القمة كل المشاكل دفعة واحدة[33].

  1. مآلات القمة وحدود تأثيرها:

بالرغم من تشكيلهم لنحو ربع سكان العالم يبقى المسلمون عاجزين عن الاتحاد فيما بينهم وبالتالي تضيع الكثير من فرص التنمية. وفي هذا السياق فإن نسبة التبادل التجاري بين البلدان الاسلامية لا يتجاوز 5 في المئة، كما أن هناك 350 مليون مسلم يكافحون من أجل العيش في ظل ظروف الفقر المدقع، ويشكل المسلمون ما نسبته 94% من إجمالي من يلقون حتفهم في الصراعات الدائرة في العالم حاليا[34]. رغم أن 59% من احتياطيات النفط و58% من احتياطات الغاز الطبيعي في العالم موجودة في البلدان الإسلامية[35].

أمام هذا الوضع فإن تشكل التحالف الإسلامي بين دول قمة كولالمبور التي كشفت عن الإمكانات والقدرات الهائلة للعالم الإسلامي، سيخلق قوة عظمى متكاملة. خاصةً، لو ازداد عدد الدول المنظمة للتكتل. لذلك  فإن عوامل نجاح وانطلاق  هذا التحالف الذي يشكل الأمل الذي ترجوه الشعوب المسلمة، يعتبر بداية جيدة وخطوة في الاتجاه الصحيح.

ورغم التحديات الدولية والإقليمية الكبرى التي تواجه فكرة تكوين تكتل إسلامي قوي ومؤثر، إلا أن نجاح هذه الفكرة سيعتمد على حسن إدارتها وعلى توفر عقل استراتيجي يخطط لها ويوجهها، وعلى الاختيار الأمثل للدول التي يمكن أن تنضم لهذه القمة، وعلى تجنب الصراعات والإشكاليات الدولية التي يمكن أن تعرقل تأثيرها وفعاليتها خاصة في المراحل الأولى لتشكلها[36].

ولذلك فإذا ما تمتعت هذه الدول بالدينامية والجدية في تنسيق برامجها السياسية والتنموية –وهذا مايتضح من خلال القمة-، فإنها يمكن أن تقود قاطرة التغيير في العالم الإسلامي، من خلال الانضمام التدريجي للدول الاسلامية لهذه القمة، كما حدث مع الاتحاد الأوروبي، وبالتالي، تعيد تشكيل منظومة العالم الإسلامي على أسس جديدة، أكثر نفعاً لهذه الدول وشعوبها[37].

وهناك منافع كبيرة ستعود على الأنظمة السياسية التي تتبنى فكرة كولالمبور، وما توفره من شبكات أمان اقتصادي وسياسي وعسكري وتنموي لأعضائها[38]. خصوصا أمام تواجد إمكانيات هائلة لدى هذا التحالف المتمثل في القوة الاقتصادية والسياسة والقوة البشرية علاوة على الموقع الجغرافي المتعدد والممتد، هذا التحالف الذي لا محال سيؤثر بشكل أكبر من تأثير كل دولة على حدة[39].

ويبقى أهم ما تمخضت عنه القمة هوالخروج بنتائج عملية، حيث تم توقيع عدد من الاتفاقات بين دول القمة في مجالات الدفاع والتكنولوجيا ومراكز التميز والتعاون الصناعي والزراعي والإعلامي.  كما تضمن الإعلان الختامي للمؤتمر اعتماد اسم “مؤسسة بردانا للحوار والحضارة “[40] Perdana Dialogue بدلا من قمة كوالالمبور اعتبارا من العام 2020، وهذا التغيير يعني التحول إلى ألية عمل وحوار مستمر، وليس مجرد انعقاد عارض لقمة[41].

لذلك يعبر تغيير اسم قمة كولالمبور الى منتدى “بردانا”، عن البعد الدولي لهذا التجمع، حيث أصبح المنتدى له سمعة عالمية تتجاوز ماليزيا، لهذا جاءت فكرة تغيير  الاسم حتى يشمل كل المسلمين في مختلف انحاء العالم الذين يؤمنون بأن حل مشاكل المسلمين هو من خلال صناعة القوة التي تقوم على أساس التنمية والتطور والازدهار والعلم والتكنولوجيا[42].

 

خلاصات واستنتاجات:

سعى منتدى كوالالمبور والذي نشأ منذ نحو خمس سنوات أن يشكل وعاء فكرياً يسعى للتخطيط لأعمال قمة كولالمبور الاقتصادية  ويوجهها، بهدف التحقيق التدريجي لأهدافه التي تتجسد في خدمة مصالح بلدان العالم الاسلامي وتحقيق نهضة حضارية وتنموية دون الانجراف في معارك جانبية. وتقوم بدعمه نخبة من المفكرين والباحثين من مختلف دول العالم الاسلامي.

قمة كوالالمبور لها أهمية خاصة لأنها تؤشر إلى أننا قد نكون أمام حالة من الفعل الأممي النهضوي الاسلامي المنظم الذي تؤسس له وتقوده دول وجهات سياسية مسؤولة. لهذا ففكرة تشكيل تحالفات دولية تضم دولاً ومنظمات ورجال الفكر، تمهيداً للاستناد على هذه التحالفات للتوصل لحل المشاكل الضخمة التي تعاني منها مجموعة من مناطق العالم الاسلامي أو شريحة مجتمعية من شرائحه، تعتبر نقطة مهمة وانعطافية في هذه القمة. وبالتالي فالمطلوب اليوم هو توظيف القدرة الكبيرة لهذا التكتل للتأثير على مجريات الأحداث في هذا العالم الكبير والانتقال إلى نوع من الدور الحضاري الإيجابي الفعال.

ومن النقط الايجابية التي تحسب لمنظمي القمة وهي حرصهم على ألا تظهر القمة وكأنها بديل عن منظمة التعاون الإسلامي، لكن ومع ذلك فما يزال يعترض طريق القمة العديد من العقبات وفي مقدمتها النظرةُ السلبية لها من طرف بعض الدولِ الخليجية المؤثرة والتي تتشبث بكون القمة محاولة لاجهاض الدور الذي تقوم به منظمة التعاون الاسلامي.

وأخيرا فإنه يمكن القول بأن القمة تعتبر خطوة أولى مهمة نحو تحقيق أهداف أكبر في المستقبل. و لا ينبغي المبالغة ورفع سقف التوقعات، لأن القمة ومع كل إيجابياتها ليست حلاً سحرياً لكل مشكلات العالم الاسلامي.

 

المصادر:

[1]  محسن محمد صالح، قمة كوالالمبور: خطوة في الاتجاه الصحيح، مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، 22/12/2019، على الرابط:

https://cutt.us/hqBM7

[2]  عبد القادر بوعرفة، مالك بن نبي: الراهن والمستقبل دراسة نقدية لرسم معالم البنابية الجديدة، موقع مالك بن نبي، 27 يونيو 2013، على الرابط:

https://cutt.us/zcYfb

[3]  عبد الرحمان حللي، تصور العالم الإسلامي قبل سقوط الخلافة وبعدها رؤية العالم بين الكواكبي ومالك بن نبي، بحث قدم إلى ندوة ” الرؤي الإصلاحية للمفكر النهضوي عند الرحمن الكواكبي” اتحاد الكتاب العرب، ملتقى الفكري للإبداع، حلب، ص: 13، 25-26-27- 2006.

[4]  نجم الدين أربكان و الاتحاد الإسلامي (D8)، ترك بريس، 24 ديسمبر 2015، على الرابط:

https://cutt.us/BNeuT

[5]  حلم أربكان قد يعود بعد 21 عاماً.. قصة أول اتحادٍ إسلامي من تركيا بعد سقوط الخلافة، عربي بوست، 04/12/2019، على الرابط:

https://cutt.us/qx3pV

[6]  تعتبر هذه القمة محصلة خمس سنوات عمل في إطار منتدى كوالامبور، وبالتالي ليست الأولى، بل إنها الخامسة من نوعها، ففي عام 2014 تأسست القمة الأولى بدعوة من مهاتير  محمد بهدف إنتاج منظومةً فكريةً سياسية إسلامية جديدة، ثم أتت القمة الثانية تحت عنوان “دور الحرية والديمقراطية في تحقيق الاستقرار والتنمية”، وأقيمت كذلك في كوالالمبور. أما الثالثة في الخرطوم بعنوان “الحكم الرشيد”، والرابعة باسم “الانتقال الديمقراطي” في إسطنبول.

[7]  ما يتعرض له مسلمو الروهينغا في ميانمار ومعاملة الهند للمسلمين بكشمير، إضافة إلى انتقاداته المتكررة والمعروفة للاحتلال الإسرائيلي وممارساته غير القانونية ضد الفلسطينيين.

[8]  نور علوان، قمة “كوالالمبور” الإسلامية: الأهداف والمبادئ الأساسية، نون بوست، 06/12/2019، على الرابط:

https://cutt.us/YAhZo

[9]  مقري: قمة كوالالمبور هدفها إعادة البريق للحضارة الإسلامية، الشروق أون لاين، 2019/12/18، على الرابط:

https://cutt.us/Blx3Z

[10]  حلم أربكان قد يعود بعد 21 عاماً.. قصة أول اتحادٍ إسلامي من تركيا بعد سقوط الخلافة، مرجع سابق

[11]  صلاح الدين كمال، “قمة كوالالمبور” تكتل إسلامي جديد.. هذا ما تهدف إليه، العربي 21، 14 ديسمبر 2019، على الرابط:

https://cutt.us/zDzfz

[12]  تركيا وماليزيا وباكستان تؤسس قناة ناطقة بالإنجليزية، الخليج أونلاين، 27-09-2019، على الرابط:

https://cutt.us/p2SZN

[13]  باكستان وتركيا وماليزيا تعتزم تأسيس قناة تليفزيونية لمكافحة الإسلاموفوبيا، موقع  TRT، 26 سبتمبر 2019، على الرابط:

https://cutt.us/w81QW

[14]  مصطفى صلاح ومرﭬت زكريا، سياق مضطرب .. ملفات وخلافات في قمة كوالالمبور، المركز العربي للبحوث والدراسات، 17/ديسمبر/2019، على الرابط:

https://cutt.us/UBKkW

[15]  عمرو دراج، التحالف الإسلامي الجديد الأولويات والإشكاليات، المعهد المصري للدراسات، 10 ديسمبر، 2019، على الرابط:

https://bit.ly/32WXXVl

[16]  عمرو دراج، الأبعاد والمسارات، المعهد المصري للدراسات، 10 ديسمبر، 2019، على الرابط:

https://bit.ly/3iWAvwY

[17]   Mustafa Öztop, Kuala Lumpur Zirvesi’nin Yansımaları ve Sonuçları, kriter dergi, Ocak 2020 / Yıl 4, Sayı 42,

https://cutt.us/WcXTB

[18]  وكانت فكرة هذا المنتدى تدور حول جمع كوكبة من أهم المفكرين والباحثين والعلماء في العالم الإسلامي، في جهد فكري غير حكومي، للتباحث حول أهم القضايا التي تواجه العالم الإسلامي.

[19]  عمرو دراج، التحالف الإسلامي الجديد الأولويات والإشكاليات، مرجع سابق

[20]  Ömer Faruk Yıldız, İslam dünyasının sorunlarına çözüm Kuala Lumpur Zirvesi’nde aranacak, Anadolu Ajansı, 16.12.2019,

https://bit.ly/2HsY1Ur

[21]  عمرو دراج، التحالف الإسلامي الجديد الأولويات والإشكاليات، مرجع سابق

[22]  عمرو دراج، قمة كوالالمبور الإسلامية: الأبعاد والمسارات، مرجع سابق

[23]  السعودية حينما دعيت وضعت شروطا للحضور خلاصتها أن تكون هي  الوصية علي القمة و الحضور والغياب وجدول الأعمال والموضوعات المطروحة، لكن ماليزيا رفضت هذه الشروط مما اغضب السعودية.

للمزيد من التفاصيل انظر المرجع: أحمد منصور، ماذا دار في كواليس قمة كوالالمبور؟، عربي بوست، 19/12/2019، على الرابط:

https://bit.ly/2G1yJMk

[24]  حيث جمعت وزارة الإعلام السعودية سلسلةً من الرسائل التي أُمِرَت المنظمات الإعلامية، والمُعلّقون المحليون بنشرها. كما استهدفت الصحف، والمواقع، والقنوات التلفزيونية في بلادٍ مثل باكستان وإندونيسيا وعددٍ من الدول العربية.

[25]  David Hearst  ve Ragip Soylu, Secret Saudi plan to undermine rival Islamic summit revealed, Middle East Eye, 26 February 2020,

https://bit.ly/32XM2Gx

[26]  Suud ve BAE, Pakistan’ı şantajla vazgeçirdi: Türkiye, İran ve Katar’ın olduğu yerde, İslami Analiz, 18 Aralık, 2019,

https://bit.ly/35ZQ1o4

[27]  أحمد منصور، مرجع سابق.

[28]  وعلاوة على ذلك فقد مارسوا –السعودية والامارات- ضغوطهم على دول صغيره وأجبروها علي سحب ممثليها من القمة.

[29]  أحمد منصور، مرجع سابق.

[30]  “خطة السعودية السرية” لنسف نتائج الاجتماع، عربي بوست، 26/02/2020، على الرابط:

https://bit.ly/36140Kn

[31]  احمد منصور، مرجع سابق.

[32]  محسن محمد صالح، مرجع سابق.

[33]  سعيد الحاج، ما الذي تريده تركيا من قمة كوالالمبور، موقع TRT، 20 ديسمبر 2019، على الرابط:

https://bit.ly/3mJmFAe

[34]  كما أن الدول الإسلامية تشتري ثلث الأسلحة التي تباع عالميا، وهي عادة تستخدم هذه الأسلحة في حروب تدور بينها.

[35]  ياسين أقطاي، قمة كوالالمبور الإسلامية.. ما الأسئلة والحقائق التي تطرحها؟، الجزيرة نت، على الرابط:

https://bit.ly/2EshN14

[36]  عمرو دراج، التحالف الإسلامي الجديد الأولويات والإشكاليات، مرجع سابق

[37]  محسن محمد صالح، مرجع سابق.

[38]  المرجع نفسه.

[39]  عمرو دراج، التحالف الإسلامي الجديد الأولويات والإشكاليات، مرجع سابق

[40]  تعني كلمة بردانا باللغة المالاوية “الرائد” Premier.

[41]  “تغيير اسم القمة”… رئيس وزراء ماليزيا: قد نتعرض للحصار مثل قطر، عربي Sputnik، 21.12.2019، على الرابط:

https://bit.ly/3kVnhBh

[42]  أحمد يحيى، قمة كوالالمبور.. هل تشكل نواة جديدة لحل أزمات العالم الإسلامي؟، صحيفة الاستقلال، ديسمبر/كانون الأول 2019، على الرابط:

https://bit.ly/3cpFXG5

 

تعليقات الزوار ( 0 )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *