حان الوقت لإنهاءِ “العلاقة الخاصّة” مع إسرائيل؟

حجم الخط

حان الوقت لإنهاء “العلاقة الخاصّة” مع إسرائيل

ستيفن والت

مجلّة السياسة الخارجية، 27 مايو 2021/ الولايات المتحدّة

إعداد وترجمة: جلال خَشِّيبْ

باحث مشارك أول بمركز دراسات الإسلام والشؤون العالمية (CIGA)

العدد: 79 من البوصلة الجيوبوليتيكية الأسبوعية

 

يُرافع ستيفن والت في هذا المقال لأجل إنهاء “العلاقات الخاصّة” التّي تقيمها الولايات المتحدّة مع إسرائيل ويدعو بدلاً من ذلك واشنطن إلى إقامة علاقاتٍ عاديّةٍ معها كغيرها من الدول الأخرى، محاججاً بأنّ جولة المواجهة العنيفة الأخيرة بين الإسرائيليين والفلسطينيين تُقدّم مزيداً من الأدلّة بأنّه قد آن للولايات المتحدّة أن تتوقّف عن منح إسرائيل دعماً اقتصادياً، عسكرياً ودبلوماسياً لا مشروطاً بعد الآن، فلا تجني واشنطن من سياستها هذه شيئا، كما أنّ تكاليفها عاليةٌ وآخذةٌ في الازدياد.
يُقدّم الكاتب في البداية جملةً من الحجج لدعوته هذه موضّحاً كيف تضررّت الولايات المتحدّة من دعمها اللامشروط لإسرئيل، ثمّ يُوضّح في قسمٍ آخر جملةَ المكاسب التّي ستجنيها الولايات المتحدّة من إقامة علاقاتٍ عاديّةٍ مع إسرائيل، ليُقدّم في الأخير توقّعاته للمسار الذّي ستأخذه العلاقات بين البلدين.
وفقاً للكاتب، لا تُعدّ إسرائيل دولةً ديمقراطيةً ليبراليةً كالولايات المتحدّة أين تقف جميع الأديان والأعراق متساوية، فتماشياً مع الأهداف المركزية للصهيونية، منحت إسرائيل لليهود مزايا تفاضلية على حساب العرب والآخرين عبر هندسةٍ طويلةٍ للوعي. لقد تسبّبت عقودٌ من السيطرة الإسرائيلية الوحشية في القضاء على الحُجّة الأخلاقية للدعم الأمريكي اللامشروط لها اليوم بسبب سياسات الآبرتايد التّي مارستها عبر عقودٍ مع شبه إفلاتٍ من العقاب. ربّما كان من المُمكن في الماضي -أيّام الحرب الباردة- المُحاججة بأنّ إسرائيل كانت رصيداً استراتيجياً ذا قيمةٍ ما بالنسبة للولايات المتحدّة، رغم أنّه تمّ المبالغة غالباً في قيمتها تلك.
لقد انتهت الحرب الباردة منذ ثلاثين سنة، مع ذلك فإنّ الدعم اللامشروط لإسرائيل مستمرٌ ويخلق اليوم مزيداً من المشكلات لواشنطن أكثر ممّا يحلّ، لم يكن بإمكان إسرائيل على سبيل المثال أن تفعل شيئاً لمساعدة الولايات المتحدّة في حربيْها ضدّ العراق، بل كانت عبئا عليها. قيمتها الاستراتيجية اليوم تُعدُّ أقلّ بكثيرٍ عمّا كانت عليه أثناء الحرب الباردة.
في غضون ذلك، تستمر تكاليف العلاقة الخاصّة القائمة على الدعم اللامشروط في الارتفاع لاسيما السياسية منها أساسا. أبرزها: أولاّ، أنّها تجعل من الصعب كثيراً على الولايات المتحدّة الادّعاء بالمكانة الأخلاقية السامية على المسرح العالمي خاصّة مع حرص إدارة بايدن على استعادة سمعة الولايات المتحدّة وصورتها بعد سنوات حكم ترامب، فهي تريد أن تُميّز بشكلٍ واضحٍ بين سلوك الولايات المتحدّة وقِيَمها من جهة وبين سلوك وقيم خصومها كالصين وروسيا من جهة أخرى. لكن حينما تقف الولايات المتحدّة بمفردها وتستخدم الفيتو (دعماً لرغبة إسرائيل وتأكيداً على حقّها في الدفاع عن نفسها) ضدّ ثلاث قراراتٍ منفصلةٍ مُقترَحَةٍ من مجلس الأمن لوقف إطلاق النار، تُرسلُ أسلحةٍ إضافيةٍ لإسرائيل بقيمة 735 مليون دولار وتُقدّم خطاباتٍ فارغةٍ للفلسطينيّين عن حقّهم في الحياة بحريّةٍ وأمنٍ مع دعم حلّ الدولتين، فإنّ ادّعاءها بتبنّي موقفٍ أخلاقيٍ متفوّق يبدو إدّعاءً أجوفاً يعتريه النفاق.

ثانيا، يجعلها ذلك متورطّةً في أزمةٍ تتطلّب منها تركيزاً ووقتاً ثميناً تُبعدها عن التعامل مع تحدّياتٍ أهمّ كتغيّر المناخ، صعود الصين، الجائحة، فكّ الارتباط عن أفغانستان، الانتعاش الاقتصادي ومجموعةٍ كبيرةٍ من المشكلات الأكثرَ ثقلا.

ثالثا، يُعقّد ذلك جوانباً من الدبلوماسية الأمريكية في الشرق الأوسط، كالتوصّل لاتفاقيّةٍ جديدةٍ مع إيران بخصوص ملفّها النووي بسبب ضغط حكومة نتنياهو واللوبي الاسرائيلي على الولايات المتحدّة وعرقلتهما لبلوغ اتفاقٍ ما وبالتالي عرقلة جهود واشنطن للحدّ من الانتشار النووي. يُجبر الإلتزام بحماية اسرائيل الولايات المتحدّة أيضا على الدخول في علاقاتٍ مع حكوماتٍ شرق أوسطيةٍ دكتاوتوريةٍ بغيضةٍ ليس لها إلاّ القليل من الوزن الاستراتيجي أو المعنى الأخلاقي بالنسبة لواشنطن مثلما حدث مع مصر-السيسي حينما تجاهلت واشنطن انقلابه العسكري على ديمقراطيةٍ وليدةٍ سنة 2011 أو تسامحها مع انتهاكات السعودية لحقوق الانسان (حربها على اليمن واغتيالها للصحفي خاشقجي).

رابعا، كان هذا الدعم اللامشروط دافعاً أساسياً في خلق الإرهاب الذّي واجهته الولايات المتحدّة مثلما عبّر عن ذلك أسامة بن لادن وشخصيات وازنة في القاعدة. لذلك، يرى الكاتب بأنّ موقفاً أمريكياً أكثر انصافاً وقابليةً للدفاع من الناحية الأخلاقية من شأنه أن يساعد في التقليل من حدّة المواقف العدائية تجاه الولايات المتحدّة. لقد أدّت هذه العلاقات الخاصّة إلى تورّط الولايات المتحدة في مغامرات كثيرةٍ فاشلةٍ في الشرق الأوسط كغزو العراق سنة 2003 وتبنّي برنامجٍ أوسع لإحداث “تحوّلٍ إقليمي” بوجود موالين لاسرائيل بواشنطن كالمحافظين الجدد.

إضافةً إلى ذلك كلّه تسبّبت هذه العلاقة الخاصّة في حرمان الولايات المتحدّة من تقلّد شخصياتٍ موهوبةٍ ذاتُ كفاءة لمناصب رفيعةٍ في مؤسّسات الدولة والحياة العامّة، حيث لا يُواجه المؤيّدون لاسرائيل بحماسة داخل الولايات المتحدّة أيّ عراقيلٍ تمنعهم من الحصول على مناصب رفيعة، في حين يُواجه “الموالي لاسرائيل على نحوٍ غير كافٍ” عراقيلاً كثيرةً، ولا يحلم المنتقدُ لسياساتها بأيٍّ من هذه المناصب على الإطلاق. كما تتسبّب هذه العلاقة في تضليل الرأي العام الأمريكي أكثر، إذ لا يُعبّر أيُّ خبير يطمح لنيل منصبٍ ما عمّا يُفكّر به حقيقةً حينما يتعلّق الأمر بسياسات إسرائيل وبعضهم يتفوّهون بكلامٍ لا معنى له يتعارض مع الحقائق حينما ينشب نزاعٌ شبيه بالعنف الأخير في غزّة.

في قسمٍ آخر من المقال يُحاجج الكاتب بوجود ملامحٍ لتصدّعات في هذه العلاقة الخاصّة بدأت في الظهور، إذ صار من السهل الحديث عن هذا الموضوع مقارنةً بما كان عليه الأمر من قبل. يرصد الكاتب ذلك فيما تنشره بعض الصحف الأمريكية من مقالاتٍ تتجاوز الكليشيهات القديمة عن حلّ الدولتين و”حقّ إسرائيل في الدفاع عن نفسها”، وفي بعض مواقف أعضاء الكونغرس التّي صارت أكثر اعتدالاً من الناحية الخطابية على الأقل.

إنّ دعوة الكاتب إلى علاقةٍ عاديةٍ لا تعني مقاطعة إسرائيل، سحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها أو إنهاءِ كاملِ الدعم الأمريكي لها، ولكنّها دعوةٌ لأن تحظى واشنطن بعلاقاتٍ عاديةٍ مع إسرائيل كأيّ بلد آخر في العالم، سيتّم دعم إسرائيل حينما تقوم الأخيرة بأشياء تتماشى مع مصالح الولايات المتحدّة وقيمها، كما ستنأى الولايات المتحدّة بنفسها عنها حينما تتصرّف إسرائيل بطريقةٍ مغايرة، ستستمر العلاقات التجارية والثقافية وحتّى التعاون الاستخباراتي بين البلدين في مسائل السياسة الخارجية المشتركة.
من شأن علاقةٍ عاديةٍ أن تدفع إسرائيل لتعيد التفكير في تحقيق سلامٍ حقيقيٍ-دائمٍ وحلولٍ من شأنها ضمان الحقوق السياسية لليهود والعرب على حدّ سواء، وأن تُجبرها أيضاً على بدأ التفكير في تفكيك نظام الفصل العنصري الذّي أنشأته على مدى عقودٍ عديدةٍ ماضية.

ختاما، لا يتوقّع الكاتب أن تجد مثل هذه التغيّرات مكاناً في أيِّ وقتٍ قريبٍ فلا تزال هناك مجموعاتُ مصالحٍ قويّةٍ تُدافع عن العلاقة الخاصّة، كما لا يزال هناك كثيرٌ من السياسيّين ذوي الرؤية القديمة لطبيعة المشكلة. مع ذلك قد يكون التغيير وشيكاً وأكثر رجوحاً ممّا قد يعتقد المرء، وهذا هو السبب الذّي يجعل المدافعين عن الوضع القائم يسارعون إلى تشويه أيّ شخصٍ يقترح بدائلاً ما وتهميشه. بمجرد أن تصير المناقشة العامّة لموضوع ما أكثر انفتاحاً وصدقا، فإنّ المواقف التّي عفا عليها الزمن بامكانها أن تعرف تغيّراً بسرعةٍ مفاجئةٍ، وما كان يوماً ما أمراً لا مُتصوّراً بامكانه أن يصير اليوم أمراً ممكناً بل وحتّى عاديا جدّا.

إعداد وترجمة: جلال خشِّيب، البوصلة الجيوبوليتكية، مركز دراسات الإسلام والشؤون العالمية، المجلّد الثاني، العدد 79 بتاريخ 8 يوليو 2021، إسطنبول – تركيا.

(حقوق النشر: مركز دراسات الإسلام والشؤون العالمية 2021، جميع الحقوق محفوظة).

 

يُمكنكم تحميل العدد كاملا باللغتين العربية والإنجليزية على شكل ملف بي دي أف من الرابطين التاليين:

Arabic PDF

English PDF

تعليقات الزوار ( 0 )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *