دول انبعاث الحضارة الإسلامية: هل سيكون للجزائر دور؟ (1\3)

حجم الخط

بقلم:د. عبد الرزاق مقري

كان لقائي الأسبوع الأخير يوم 26 جويلية 2019 كأمين عام لمنتدى كوالالمبور مع د.مهاتير رئيس المنتدى ورئيس الوزراء الماليزي فرصة كبيرة لفهم مشروع انبعاث الحضارة الإسلامية الذي حمله على عاتقه رؤساء دول كبيرة في العالم الإسلامي. حدثنا د. مهاتير أثناء اللقاء عن أسفه الكبير للفتن والاقتتال الذي يحدث بين المسلمين وحالة التخلف التي يعيشونها وإبتعادهم عن هداية الإسلام الصحيح الذي نهضوا به في تاريخهم المجيد، وأكد أن العيب ليس في الأمم التي تحاربنا وتعتدي على سيادتنا ولكن العيب في أنفسنا الذين اعطيناهم الفرصة لذلك بتشتتنا وتمزقنا.
من هذا المنطلق اقتنع د. مهاتير بأن عليه أن يسعى مع رؤساء الدول الإسلامية الذين يؤمنون بالحضارة الإسلامية ولهم القدرة على المحافظة على سيادة بلدانهم والنهوض بها في مختلف مجالات التنمية لبناء تحالف إسلامي كبير ينطلق
لتحقيق حلم الاستئناف الحضاري الإسلامي.
لقد تعرفت على د. مهاتير عن بعد كصانع للنهضة الماليزية حين كان رئيسا لوزراء ماليزيا بين 1981-2003، وكان تعرفي عليه عن قرب وهو في المعارضة كرئيس لمنتدى كوالالمبور للفكر والحضارة الذي أسسه عدد من العلماء والمفكرين والسياسيين من مختلف دول العالم الإسلامي وشرفوني بعد المؤتمر الأول أمينا عاما له سنة 2014. سمحت لي مهمة الأمين العام أن احتك كثيرا بذلك الرجل الاستثنائي وأكدت الإنجازات التي حققناها في المؤتمرات السنوية الأربعة والجائزة والإعلان السنوي وشبكة الباحثين ثقته في المنتدى وقادته وأمينه العام. حينما كنا ننهل من علم الرجل وتجربته وحكمته وهو في المعارضة لم يكن لدينا طمع في دعمه المادي أو السياسي، وحينما قرر الرجوع إلى السياسة في بلده لم يعجبنا ذلك كثيرا من باب الإشفاق عليه بالنظر لمرضه وكبر سنه.
خرج د. مهاتير من الحكم طواعية بعد أن نجح في رفع شأن ماليزيا ولكنه حينما رأى الانحراف والفساد يأكل تجربته من بعده حاول الإصلاح من داخل الدولة والحزب الذي كان يقوده من قبل فلم ينجح. خرج الرجل عندئذ إلى المعارضة يستعمل كل أدوات المقاومة السياسية التي تستعملها الأحزاب المعارضة للتغيير، ومنها المسيرات في الشارع رغم سنه ومرضه، و كذا بناء التحالفات الانتخابية حتى رجع إلى الحكم مع حلفائه بإرادة الشعب في شهر ماي 2018. أذكر ذات يوم كنا معه في رحلة بحرية على هامش المؤتمر الثاني وهو في عز صراعه السياسي مع الحكومة وقد اشتد عليه المرض كثيرا فقلت له، مشفقا عليه” “قد آن الأوان ربما لتستريح يا حضرة الدكتور، قد أديت الذي عليك والعالم الإسلامي كله شاهد على ذلك فدع هؤلاء الذين لم يكونوا أوفياء لك يتحملوا مسؤولياتهم”، نظر إلي متأسفا وقال: ” لم أكن أتوقع منك انت بالذات أن تنصحني هذه النصيحة”.
حينما التقيته قبل أسبوع في اسطنبول ذكرته بهذه القصة مازحا فتبسم ابتسامة عريضة فاغتنمت انبساطه لأسأله عن سبب تمسكه بالمنتدى رغم انشغاله بالحكم، وعن علاقة هذه المنظمة الناشئة بمشروع الانبعاث الحضاري الذي جاء إلى تركيا ليناقشه مع أردوغان رئيس الجمهورية التركية ضمن جولة ستقوده بعد تركيا إلى باكستان لذات الغرض.

تعليقات الزوار ( 0 )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *