الحكم الصالح الرشيد من منظور إسلامي

حجم الخط

المؤتمر السنوي الثالث | السودان 2016 

الحكم الصالح الرشيد من منظور إسلامى

(رؤية تجديدية واجتهاد مطلوب)

باب جديد فى مجال السياسة الشرعية

                     أ.د. سيف الدين عبد الفتاح إسماعيل | PDF

إن الفكرة الجوهرية في هذا المقام إنما تتعلق بتطور مفهوم السياسة الشرعية، بما يشير إلى اجتهاد جديد وتجديد مطلوب، برز ذلك أول ما برز في كتاب الإمام ابن تيمية حول (السياسة الشرعية في إصلاح الراعي والرعية)، هذا الكتاب فى أفكاره إنما يعبر بخريطة موضوعاته وبافتتاحيته التي صدَّرها بالاهتمام بالولايات وتوصيف طبيعتها بأنها أمانات، والحديث عن شروط مختلفة ليست هي الشروط التي نجدها في الكتابات التي تتعلق بالإمامة أو في كتب علم الكلام فى أبواب الإمامة.

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: “فالمقصود الواجب بالولايات إصلاح دين الخلق الذي متى فاتهم خسروا خسراناً مبيناً، ولم ينفعهم ما نعموا به في الدنيا وإصلاح ما لا يقوم الدين إلا به من أمر دنياهم”.

الواجب على أصحاب الولايات أداء الأمانات لأهلها، والحكم بين الناس بالعدل، فإذا فعلوا ذلك كان حقاً على المسلمين أن يطيعوهم وينصروهم، كما قال تعالى : ” إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل أن الله نعمّا يعظكم به إن الله كان سميعاً بصيراً . يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلاً” [النساء، آية 59].

قال ابن تيمية: ” قال العلماء: نزلت الآية الأولى في ولاة الأمور عليهم أن يؤدوا الأمانات إلى أهلها، وإذا حكموا بين الناس أن يحكموا بالعدل، ونزلت الثانية في الرعية من الجيوش وغيرهم، عليهم أن يطيعوا أولي الأمر الفاعلين لذلك في قَسْمهم وحُكمهم ومفازتهم، إلا أن يأمروا بمعصية الله، فإذا أمروا بمعصية الله فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق”..
ومما يحسن ذكره هاهنا، ما سطره شيخ الإسلام ابن تيمية عند حديثه عما يجب على أصحاب الولايات والمسئوليات، حيث قال: ” فيجب على كل من ولي شيئاً من أمر المسلمين من هؤلاء وغيرهم، أن يستعمل فيما تحت يده في كل موضع أصلح من يقدر عليه، ولا يقدم الرجل لكونه طلب الولاية أو سبق في الطلب، بل يكون ذلك سبباً للمنع، فإن عدل عن الأحق الأصلح إلى غيره لأجل قرابة بينهما أو رشوة يأخذها منه من مال أو منفعة فقد خان الله ورسوله والمؤمنين.

إن ابن تيمية في هذا المقام طرق أبوابا وسلك طرقا مهمة ومتميزة من حراك الشروط وتداخلها وتفاعلها مع بعضها البعض، وهو أمر أنتج إشكالات جديدة تطلبت مناهج مختلفة من الفحص والدرس وفتحت مجالات جديدة للاجتهاد والتجديد في موضوع “السياسة الشرعية” من مدخل الولايات كأمانات، وقراءة أولية فى خريطة موضوعاته في كتابه إنما تعبر عن حقائق غاية في الأهمية:

أولاتجديد مفهوم السياسة الشرعية الذي اقتصر فترة من الزمن على باب التعزيرات فيما يتعلق بالإمامة والقضاء.

ثانيا– الخط الجديد الذي انتهجه في الكتابة في هذا الموضوع الذي يصل بين الفقه السياسي والفكر السياسي في معالجة موضوعات تعلقت بالولايات. يرتبط فيه التنظير بإشكالات واقعية يمكن أن تبرز على ساحة النقاش والبحث.

ثالثا– إن ابن تيمية قرر -ومن خلال معالجته المتميزة- أن مجالاتٍ جديدة يجب التطرق إليها والبحث فيها ضمن هذه المظلة؛ وهي مظلة السياسة الشرعية. وهى ملاحظة مهمة يجب التوقف عندها، وتعرضه لباب الحدود متأخرا وليس متصدرا إنما حمل معانيَ كثيرة فى هذا المقام.

رابعا– أن ابن تيمية قد أشار ومن غير تصريح إلى أن السياسة الشرعية يجب أن ترتبط بمصادر مختلفة ليست هي المصادر التقليدية التي اعتاد عليها الفقهاء، يتضح ذلك من طريقة صياغته للقضايا والأسئلة وأساليب الإجابة ومناهج الاقتراب من تلك الإشكالات والتى جعل فيها مدخلا لفقه الواقع وفقه التنزيل.

خامسا- أن ربط الامام ابن تيمية لمفهوم السياسة الشرعية بحقيقة الإصلاح بالراعي والرعية أي الإصلاح السياسي والمجتمعي، إنما يشير بذلك الى بناء غاية في الأهمية في السياسة الشرعية؛ هذا البناء الذي تعرض له بن تيمية شكل وبحق طفرة في التأليف في هذا المجال ضمن هذا المسار الذي حدده في منهج نظر جديد للسياسة الشرعية ، الإصلاح كجوهر لمفهوم السياسة الإسلامى ( القيام على الأمر بما يصلحه ) ، ( ماكانت معه الأمور أقرب للصلاح وأبعد عن الفساد) متوالية الإصلاح شكلت فهما عميقا من جانب الإمام ابن تيمية.

ونظن أن ذلك قد اتضح عند تلميذه الإمام ابن القيم فى وصفه للشريعة ومنهج الفقه المطلوب فى هذا المجال.

وقال ابن عقيل في الفنون جرى في جواز العمل في السلطنة بالسياسة الشرعية أنه هو الجزم ، ولا يخلو من القول به امام ، فقال الشافعي لا سياسة إلا ما وافق الشرع ، فقال ابن عقيل السياسة ما كان فعلاً يكون معه الناس أقرب إلى الصلاح وأبعد عن الفساد ، وإن لم يضعه الرسول ولا نزل به وحي ، فإن أردت بقولك إلا ما وافق الشرع أي لم يخالف ما نطق به الشرع فصحيح ، وإن أردت لا سياسة إلا ما نطق به الشرع فغلط ، وتغليط للصحابة ، وهذا موضع مزلة أقدام ، ومضلة أفهام ، وهو مقام ضنك ، ومعترك صعب، فرط فيه طائفة فعطلوا الحدود وضيعوا الحقوق وجرؤوا أهل الفجور على الفساد وجعلوا الشريعة قاصرة لا تقوم بمصالح العباد ، محتاجة إلى غيرها ، وسدوا على نفوسهم طرقاً صحيحة من طرق معرفة الحق والتنفيذ له ، وعطلوها مع علمهم وعلم غيرهم قطعاً أنه حق مطابق للواقع ، ظناً منهم منافاتها لقواعد الشرع .
ولعمر الله إنها لم تناف ما جاء به الرسول ، وإن نافت ما فهموه من شريعته باجتهادهم والذي أوجب لهم ذلك نوع تقصير في معرفة الشريعة ، وتقصير في معرفة الواقع ، وتنزيل أحدهما على الآخر، فلما رأى ولاة الأمور ذلك وأن الناس لا يستقيم لهم أمرهم إلا بأمر وراء ما فهمه هؤلاء من الشريعة أحدثوا من أوضاع سياستهم شراً طويلاً وفساداً عريضاً ، فتفاقم الأمر وتعذر استدراكه ، وعز على العالمين بحقائق الشرع تخليص النفوس من ذلك واستنقاذها من تلك المهالك

وأفرطت طائفة أخرى قابلت هذه الطائفة فسوغت من ذلك ما ينافي حكم الله ورسوله ، وكلا الطائفتين أتيت من تقصيرها في معرفة ما بعث الله به رسوله وأنزل به كتبه ، فإن الله سبحانه أرسل رسله وأنزل كتبه ليقوم الناس بالقسط وهو العدل الذي قامت به الأرض والسماوات ، فإذا ظهرت أمارات العدل وأسفر وجهه بأي طريق كان فثم شرع الله ودينه والله سبحانه أعلم وأحكم وأعدل أن يخص طرق العدل وأماراته وأعلامه بشيء ثم ينفي ما هو أظهر منها وأقوى دلالة وأبين أمارة ، فلا يجعله منها ولا يحكم عند وجودها وقيامها بموجبها ، بل قد بين سبحانه بما شرعه من الطرق أن مقصوده إقامة العدل بين عباده وقيام الناس بالقسط ، فأي طريق استخرج بها العدل والقسط فهي من الدين ليست مخالفة له ، فلا يقال إن السياسة العادلة مخالفة لما نطق به الشرع بل موافقة لما جاء به ، بل هي جزء من أجزائه ، ونحن نسميها سياسة تبعاً لمصطلحكم ، وإنما هي عدل الله ورسوله ظهر بهذه الأمارات والعلامات  .
والمقصود أن هذا وأمثاله ( من أفعال الخلفاء الراشدين ) سياسة جزئية بحسب المصلحة يختلف باختلاف الأزمنة فظنها من ظنها شرائع عامة لازمة للأمة إلى يوم القيامة ولكل عذر وأجر ومن اجتهد في طاعة الله ورسوله فهو دائر بين الأجر والأجرين .
وهذه السياسة التي ساسوا بها الأمة واضعافها هي من تأويل القرآن والسنة ، ولكن هل من الشرائع الكلية التي لا تتغير بتغير الأزمنة من السياسات الجزئية التابعة للمصالح فيتقيد بها زماناً ومكاناً .

وهذا كما لو كان للناس عدة طرق إلى البيت وكان سلوكهم في تلك الطرق توقعهم في التفرق والتشتيت ويطمع فيهم العدو ، فرأى الإمام جمعهم على طريق واحد فترك بقية الطرق جاز ذلك ، ولم يكن فيه إبطال لكون تلك الطرق موصلة إلى المقصود وإن كان فيه نهي عن سلوكها لمصلحة الأمة .

والذي اختص به إياس و شريح من مشاركتهما لأهل عصرهما في العلم الفهم في الواقع والاستدلال بالأمارات وشواهد الحال ، وهذا الذي فات كثيراً من الحكام فأضاعوا كثيراً من الحقوق” .

أما عن المنهج فإن الصياغة الاجتهادية والبحثية نوع من الجهد المطلوب؛ هاهو ابن القيم في مقولة ذهبية يحدد أصول الارتباط ويعبر عما نحن فيه من ارتباط المدخل المقاصدي بفقه الواقع, هده المقولة الذهبية يجب تحويلها إلى سياقات بحثية ومنهجية في إطار التعامل مع جملة الظواهر الإنسانية والاجتماعية والحضارية.يقول بن القيم:

“.. فهنا نوعان من الفقه .. لا بد منها: فقه في أحكام الحوادث الكلية وفقه في نفس الواقع وأحوال الناس يميز به بين الصادق والكاذب ، والمحق والمبطل ثم يطابق بين هذا وداك.فيعطي الواقع حكمه من الواجب ، ولا يجعل الواجب مخالف للواقع.

إن ما يطالبنا به ابن القيم ليس باليسير, وما يرتبط به من توجيهات وعمليات ومساقات بحثية  ليس بالقليل:

  • الفقه في أحكام الحوادث الكلية, وهو أمر أرشدنا إلى إمكانية تسميته بالفقه الحضاري وما يرتبط به من أصول الفقه الحضاري ومتطلباته.

–   الفقه من نفس الواقع وأحوال الناس, وهو أمر يتعلق بفقه الواقع والظواهر   الاجتماعية والإنسانية التي تعمل فيه وتستحق الدراسة والتحليل والتقويم.

–   الفقه الذي يشكل عناصر العقلية الكاشفة والعقلية الناقدة ، والعقلية الفارقة ، والانطلاق بها إلى العقلية الإيجابية البانية.

–    إعطاء الواقع حكمه وحقه من الواجب تقويما وتغييرا أو تأثيرا.

–     إعطاء الواجب حقه من الواقع ،اعتبارا وفقها ولوازم ، بحيث لا يجعل الواجب مخالفا للواقع.

انه الفقه الذي يتفاعل فيه الفقه الحكمي بعناصر التربية والترقية ، والتخلية والتحلية ، والواقع والواجب من سياق لا ينفلت فيه الواقع من الواجب ، ولا يهمل الواجب فيه الواقع.

اذا ما ربطنا هذا كله بما نحن فيه وجب علينا أن نتعرف كيف أهملنا تراثنا حينما لم نصله بالواقع ولم نفعله في سياقاته ، ولم نوظفه في مساراتنا البحثية أو المنهجية ،فضلا عن طرائقنا السلوكية والتربوية والتدبيرية.

المقاصد الشرعية والسياسة الشرعية : بين المقاصد والسياسة حراك من العلاقات والتفاعلات يجب ألا ينكر، والناظم بينهما وصف كل منهما ب ” الشرعية “، وهو ارتباط بين الكليات والجزئيات ، وبين الاستراتيجيات والسياسات ، ومن غامت فى عقله الكليات اضطربت فى يده الجزئيات ، وبين المدخل المقاصدى وتجديد النظر فى السياسة الشرعية فى القضايا والمنهج ارتباط يجب استثماره ووصل هذا أوانه .

ونظن أن هذا المفهوم والتطور الذي طرأ  عليه كان عملا بعد ذلك من جانب مدارس في الفكر السياسي والتراث السياسي الإسلامي لتعبر بذلك عن منظومة غاية في الأهمية نسميها: “منظومة المصادر المتنوعة في وحدة جامعة“، فعلى ما نعتقد أن تطوير ابن خلدون ومدرسته إنما مثل من خلال المدخل التاريخي والمدخل العمراني والمدخل السنني إشارة غاية في الأهمية استطاع أن يحقق من خلالها تطويرا وتجديدا يجب الوقوف عنده في السياسة الشرعية وقدرات هذا المفهوم باتساعه على أن يستوعب تلك المداخل الجديدة والمصادر الجديدة بل والمفاهيم الجديدة، كذلك فإنه من خلال هذه المداخل التي درست التراث السياسي للمسلمين من منظور النصيحة السياسية بدت وكأنها تكمل فقه السياسة الشرعية فتعطيه زخما مختلفا ومسارا مهما في بث روح الأخلاقيات ومنظومة القيم ضمن هذا المسار الجديد في السياسات الشرعية، وربما ذلك يتأتى من ذلك الارتباط القاطع بين عملية الإصلاح وأخلاقية النظر السياسي في بناء رؤية متميزة، وكذلك فإن هذا المفهوم برز مرة أخرى ومن خلال وصف الشرعية ليعبر عن امكانات تجديدية لمفهوم السياسة ورد الاعتبار إليها ضمن عمليات بحثية وتأليفات تراثيةـ، بل إن الباب الذي انتشر في كثير من الكتابات وألف له خصيصا من العلاقة بين الحاكم والسلطان، اختط مسارا مهما في قضايا موضع البحث ليعبر بذلك عن القضية التي شاعت وهي قضية “الدخول على السلاطين”، و”العلاقة بين العالم والسلطان”، لتجعل من هذا الباب بابا مهما من خلال التحليل والتعرف على مآلات العلاقات وتأثيرها على الوظائف والأدوار.

غاية السياسة الشرعية هى بلوغ الحكم الرشيد ، وانشداد السياسة الشرعية الى غايتها علامة قوة ووضوح ، وأدعى أن يهتم ذلك العلم بالهدف منه لأن ذلك من كلياته .

أمر مهم صار واضحا أن هذا العلم من خلال تسميته شكل مظلة لموضوعات يمكن أن تنظم في منظومات مسارات جديدة في التأليف والتأصيل، بل إن الأمور التي تتعلق بالتفعيل والتشغيل ليست بعيدة عن هذا المجال لتحرك التواصل والتفاعل بين عناصر الاجتهاد وبين مداخله الثلاث وهي فقه الحكم وفقه الواقع وفقه التنزيل ، وفقه المنهج الواصل الناظم فيما بينها.

بل إن هذا المفهوم شكل طاقة إيجابية واستيعابية لكافة الموضوعات المعاصرة بشأن النظام السياسي وبشأن المنظومة المجتمعية فحرك بذلك امكانات للمقارنة والتجديد بل ووضع شرائط للجمع بين هذه الاجتهادات الوضعية في اطار تسكين سديد ورصين من غير افتعال أو تليفيق ، خاصة فيما يتعلق بالأدوات والآليات والمؤسسات في أبواب السياسة الشرعية والتجديد في مجالاتها، إلا أنه على أرضية الاجتهاد المعاصر فإن الأمر لم يتكافأ وهذه الإمكانات الحقيقية والمتاحة، وعاد ذلك تارة لحال المجتهد والفقيه المعاصر، وتارة أخرى يعود إلى طبيعة تعقد المسائل والقضايا السياسية المعاصرة فضلا عن حال الاستبداد الذي ساد فأثر على مساحات الاجتهاد وقدراته. فإذا أردت ان تقول إن باب الاجتهاد قد سُد فلا يكون هذا إلا بفعل أثر الاستبداد، الذي سد كل أفق لاجتهاد حقيقي سياسي أو فقهي أو حضاري، وساهم في انحسار وانحصار دور الفقيه، خاصة في الدولة القومية التي همشت من دور الفقيه وكثيرا ما شوهته. وتارة ثالثة يعود هذا التراجع في الاجتهاد إلى الفجوة الإدراكية والتفاعلية بين الفقيه والواقع المعاصر وفي قلبه السياسي والذي اتسم بمزيد من التعقد والتداخل، والطبيعة العولمية التي شهدها هذا الواقع فازداد الأمر تعقيدا.

كل هذه الأمور مثلت عوامل أساسية في تعويق مسيرة الاجتهاد في مجال السياسة الشرعية وغيرها من مجالات.

وفى إطار التكامل المعرفى بين العلوم الشرعية والعلوم الإنسانية والاجتماعية يتأتى الوضع المتعلق بانفتاح عملية التفاعل بينهما فى الأخذ والعطاء ، فى المناهج والأدوات ، فى القدرات والإمكانات ، السياسة الشرعية فى ربطها بين الواقع والتنظير يمكن تؤصل لرؤية جديدة لتحقيق أصول الفقه العمرانى والاستخلافى فى إطار ينظم بين العلوم وقدراتها .

وكذلك فإن الوقوف على الشعار الذى أثبته الإمام ابن تيمية  “وَأُمُورُ النَّاسِ تَسْتَقِيمُ فِي الدُّنْيَا مَعَ الْعَدْلِ الَّذِي فِيهِ الِاشْتِرَاكُ فِي أَنْوَاعِ الْإِثْمِ أَكْثَرُ مِمَّا تَسْتَقِيمُ مَعَ الظُّلْمِ فِي الْحُقُوقِ وَإِنْ لَمْ تَشْتَرِكْ فِي إثْمٍ ؛ وَلِهَذَا قِيلَ : إنَّ اللَّهَ يُقِيمُ الدَّوْلَةَ الْعَادِلَةَ وَإِنْ كَانَتْ كَافِرَةً ؛ وَلَا يُقِيمُ الظَّالِمَةَ وَإِنْ كَانَتْ مُسْلِمَةً . وَيُقَالُ : الدُّنْيَا تَدُومُ مَعَ الْعَدْلِ وَالْكُفْرِ وَلَا تَدُومُ مَعَ الظُّلْمِ وَالْإِسْلَام”هذا الشعار وتفسيره يعطى مسوغا إضافيا للاهتمام بمنظومة الحكم الرشيد التى تؤكد عل معانى الدولة الفاعلة والعادلة .

ويقع اختيارنا للحكم الراشد في هذا المقام كواحد من أهم الأبواب التي يمكن أن تشكل طاقات إيجابية في الاجتهاد والتجديد؛ سواء تعلق الأمر بمفاهيم جديدة وفق منظور إسلامي رصين وأصيل، ومجالات جديدة للبحث يجب أن نتطرق لها ونخوض غمار تجديدها والاجتهاد فيها، فضلا عن تجديد في المناهج؛ ليعبر بذلك عن موقف  حيوي من التراث الإسلامي عامة والتراث السياسي على وجه الخصوص، هذا التحرك الذي ينظر للتأليف كمنظومة تتساند وتتكافل في عناصرها وتوجهاتها في قضاياها ومجالاتها لتؤصل مسارا جديدا في السياسة الشرعية واجب البحث والدرس، ويضم من خلال هذا التفاعل مباحث جديدة إما بدواع من تطور حادث فى علوم إنسانية واجتماعية جديدة أو بدواع تتعلق بواقع متنوع جديد أو إلى خبرات يجب الوقوف إليها والاستفادة منها، إين كانت هذه الخبرات في عالم تراث المسلمين أو في عالم التراث الحضاري للحضارات والثقافات الإنسانية المختلفة.

إن من أهم الدواعي التي تتعلق بالنظر الاجتهادي في السياسة الشرعية وارتباط ذلك بتأصيل وتفعيل وتشغيل لمنظومة الحكم الصالح الرشيد إنما تتأتي من داع مهم أفرزه الواقع السياسي وذلك بحدوث ربيع الثورات العربية التي بدأت شرارتها في تونس واتضحت معالمها في ثورة مصر.

هذه المرحلة تجعل أحد عناونيها مواجهة منظومة الاستبداد والفساد وهي منظومات وشبكات تضاد حكم الرشاد، ومن هنا كان من الأهمية أن يهتم مجال كالسياسة الشرعية بهذا الأمر الجديد الذي قد لا يقف في أثاره عند حد التأصيل بل يمكنه أن يرشد حركة الأكثريات الإسلامية من قوي سياسية تعمل علي الساحة والتي يجب أن تجعل من أولي أولوياتها وواجب وقتها بناء مؤسسات سياسية ومجتمعية رصينة وراسخة قادرة علي أن تحقق مكتسبات وأهداف هذه الثورات واستثمار طاقاتها في بناء ناهض جديد وعلاقة سوية بين الدولة والمجتمع في سياق حكم رشيد.

إن هذا التفكير هو الذي يجعلنا بالفعل نؤكد أن الحكم الرشيد باب جديد في السياسة الشرعية يتطلب اجتهاد جديد وتجديد مطلوب، ونقدم لهذه الدراسة خطة أولية لبناء هذا الاجتهاد والتجديد المطلوب من منظور السياسة الشرعية بمفهومها الواسع والشامل.

لتحميل البحث كاملا 

تعليقات الزوار ( 0 )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *