عنصرية وجهل.. ما هو الحل لعلاج ظاهرة الإسلاموفوبيا في الغرب؟

حجم الخط

د. فرانك بيتر

في حين أصبحت ظاهرة الإسلاموفوبيا، التي تعني رهاب الإسلام ومعاداته، سمة متكررة في وسائل الإعلام الغربية، فإن هناك موجة قوية من التعبئة ضد خطاب الإسلاموفوبيا قد بدأت تؤتي ثمارها. وبينما أقرّت بها الأمم المتحدة لأول مرة في عام 2001، إلا أن الإسلاموفوبيا قد انتشرت في المفردات السياسية الغربية على نطاق واسع. ومع ذلك، فإن هذا المصطلح يشوبه الكثير من الغموض، تاركا أسئلة دون إجابة حول ما إذا كان المقصود من الإسلاموفوبيا أو رهاب الإسلام ومعاداته مجرد الإسلام أو المجتمعات الإسلامية، لكن الأمر الذي لا جدال فيه هو أن بعض تبعات ظاهرة الإسلاموفوبيا أصبحت تُرى بوضوح.

ففي العالم الغربي، دفع التركيز مؤخرا على الإسلاموفوبيا مجموعة كبيرة من الجهات الفاعلة، التي لا تقتصر على الأوساط الأكاديمية، إلى تحدي وجهة نظر غير المسلمين تجاه الإسلام والمسلمين. ويقودنا هذا الأمر إلى دراسة تأثير هذه الآراء على التماسك الاجتماعي في المجتمعات متعددة الثقافات. فمن خلال العديد من المبادرات، أصبحت المفاهيم العامة المُعاد تشكيلها والمعرفة النقدية متاحة لوسائل الإعلام العادية. وفي هذا الصدد، أصبح هناك حاجة إلى التعليم وتوفر المعلومات وإجراء المراجعة النقدية لما يُنتج من محتوى حول الإسلام، وأن يكون أكثر وضوحا وتحديدا. وفي الوقت نفسه، طفت على السطح أسئلة جديدة ومعقّدة حول الأسباب التي تقف وراء الإسلاموفوبيا، وسُبل تحديد إستراتيجيات أوسع للتغلب على تبعات هذه الظاهرة.

التعليم من أجل مستقبل أكثر انفتاحا

على الرغم من شراسة الجدل الدائر حول تعريف الإسلاموفوبيا، فإن المعسكر المناهض لها يمكن أن يتفق حول جانب أساسي واحد، وهو أن الإسلاموفوبيا تعكس صورة غير مرغوب فيها عن المجتمعات التي تتبناها. وترجع ظاهرة الإسلاموفوبيا إلى المواقف والتصورات التي تعتمد بشكل كبير على الجهل أو المعلومات المضللة عن الإسلام والمسلمين، وفي أغلب الأحيان، يستمر تداول هذه المفاهيم الخاطئة في الغرب. ولأن الهدف الرئيسي للتعليم هو مساعدة الناس على الوصول إلى الحقائق الأساسية والمصطلحات السليمة، حتى يتمكّنوا من تبني الخيارات المستنيرة بصفتهم مواطنين، يمكن أن يلعب التعليم دورا مهما في تعزيز الوعي بشأن مستقبل أكثر انفتاحا في المجتمعات الغربية.

لا شيء في تاريخ العلاقات بين الإسلام والغرب يستبعد فكرة بناء مجتمع متماسك، ولا يعتبر جوهر الهوية الغربية والإسلامية هذا أمرا مستحيلا. فالخيارات التي يتبناها المواطنون مهمة، وسيكون لها تأثير على حياة الناس في الغرب. من هذا المنظور، يتمثَّل الهدف الأساسي للتعليم في إيصال فكرة مفادها أن الارتباط الفردي بالثقافة أو الدين ليس ارتباطا بنموذج واحد من المجتمع، أو طريقة واحدة لتنظيم العلاقات مع الفئات الثقافية الأخرى. وبدلا عن ذلك، يمكن تبني خيارات مختلفة في إطار ثقافي، عندما يُطرح السؤال حول كيفية بناء مجتمع تعددي. فمن خلال تمايز الثقافات وتاريخ الأمم، يمكن نشر المعرفة السليمة حول هذه الاختيارات.

من المفيد أن نتخلى عن مفاهيمنا الثابتة بشأن مسألة الهوية، وأن نفكر في مساحة للتعاطي مع خيارات أخرى، حيث يمكن تبني خيارات مختلفة وتحديد مبرراتها. وبدرجات متفاوتة، تميل السياقات المتغيرة للسلطة والقصد إلى تشكيل هذه النقاشات والخيارات. فإذا نظرنا إلى الوراء خلال القرن الماضي، فسنجد أنه قد جرت إعادة صياغة لهذه السياقات، التي تكشف وبشكل مستمر عن العلاقة بين الغرب والعالم الإسلامي. ويمكن للتعليم أن يعزز الوعي بهذه التغييرات، والسُّبل التي يؤثر من خلالها على الهويات والمعايير التي تحكمها.

ولا ينبغي الخلط بين الإصرار على الاحتمالات النسبية فيما يتعلَّق بالهوية مع الدعوة بأن جميع الهويات مختلطة ودينامية وفي حالة تغيّر مستمر. فمن المهم تحديد مواطن الملاءمة والأنماط والثبات في الهوية الاجتماعية لسكان منطقة معينة. وبطريقة مماثلة، من المهم تحديد وتمييز الآراء السائدة وغيرها من آراء الفئات الاجتماعية المتنوّعة، وإذا ما كانت تنتمي إلى الأغلبية أم الأقلية. كما يُعَدُّ الاعتراف بأوجه الاختلاف المتعددة وغياب المساواة، التي تُشكِّل الحياة الاجتماعية، شرطا ضروريا لتحديد الإستراتيجيات التعليمية الواقعية.

الغرب المنقسم

التركيز على التعليم بغرض مواجهة الإسلاموفوبيا دائما ما يكون عُرضة للنقد، لأنه يميل أيضا إلى تشخيص ما يُعَدُّ ظاهرة هيكلية. فكيف يمكننا فصل الإسلاموفوبيا عن عمليات تأمين وتحديد تبعات الحرب على الإرهاب؟ ألا تعتبر جميع الإستراتيجيات المعادية للإسلام، التي تتجاهل السياسة، محكوما عليها بالفشل؟

إنها أسئلة تستحق الطرح. فإذا كان الهدف هو تصحيح المفاهيم الخاطئة عن الإسلام، فلا يكفي تحديد مَن يستفيدون من نشر هذه المفاهيم وتعزيزها. وقد فشل هذا النهج الفعّال في التعامل مع الإسلاموفوبيا في الإجابة عن سبب نجاح خطاب كراهية الإسلام ومعاداته. إننا نحتاج إلى طرح أسئلة حول مدى قبول هذا الخطاب، وأي فئات المجتمع تجده أكثر جاذبية. وهل يتسم دعاة الإسلاموفوبيا بسمات معينة تجمعهم؟ وهل يرتبط رهاب الإسلام وكراهيته بأشكال أخرى من العنصرية أو المواقف السياسية؟ ولماذا يؤمن الكثير من الناس بالمزاعم المتناقضة عن الإسلام والغرب؟

هنالك مقترحات متعددة لنظريات حول الإسلاموفوبيا، إضافة إلى توفر اتفاق واسع النطاق بين باحثي الإسلاموفوبيا على أن هذه الظاهرة لا يمكن حصرها في قضايا التحيز أو التحامل أو التضليل وتشويه الصورة. ومع ذلك، عندما يشرع الباحثون في تحديد نهج أكثر شمولية للتعامل مع الإسلاموفوبيا، تختلف الآراء حول دور السياسة الدولية ومدى أهميتها، ودور الجدل الذي يدور حول المهاجرين من البلدان الإسلامية، ودور التطورات الاقتصادية وتبعاتها. وفي هذا الشأن، فإن السياقات الوطنية المرتبطة بالأحداث التاريخية المختلفة ذات العلاقة بالإسلام تعتبر مهمة، وتجعل من الصعب إلى حدٍّ كبير وضع نماذج عامة.

تتميز السياقات الغربية الحالية لظاهرة الإسلاموفوبيا بانقسامات كبيرة بين طوائف اجتماعية متعددة

ومع ذلك، من الممكن تحديد سياق أوسع لرهاب الإسلام وكراهيته من خلال فرص وقيود محددة. ويمكن تحديد هذا السياق بسهولة تامة وبطريقة متناقضة. وقد وصف الكاتب إدوارد سعيد الاستشراق بأنه جزء من مكونات الهيمنة للمجتمعات الأوروبية في القرن التاسع عشر. وقد تضمنت الريادة الثقافية في هذه المجتمعات صورة محددة للشرق، ووضعت حدودا وفواصل أساسية وثابتة بين الغرب والشرق.

واليوم، لا تزال هذه الازدواجية المفترضة بين الشرق والغرب تُشكِّل ملامح الثقافات الغربية، لكنها في الوقت نفسه مرفوضة من قِبل عدد كبير من الجهات الفاعلة. فلم تَعُد حجة وسطوة الاستشراق في الثقافة الراقية من الأمور البديهية. ويُعَدُّ تعريف الهوية الحضارية الغربية وعلاقتها بالإسلام من القضايا المثيرة للجدل بشكل كبير. ولا شك أنها تُشكِّل ساحات معارك مهمة للحركات والأحزاب الشعبية في العديد من البلدان. وفي هذا السياق، تتميز السياقات الغربية الحالية لظاهرة الإسلاموفوبيا بانقسامات كبيرة بين طوائف اجتماعية متعددة. فالنقاش حول الإسلام هو أيضا نقاش حول مستقبل الغرب، الذي ربما يكون أكثر انفتاحا من ذي قبل.

المصدر : الجزيرة

تعليقات الزوار ( 0 )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *